تقارير /

الحياة في تعز خلال عامين من الحرب

03/05/2017 00:43:35

تصبح الشوارع شبه خالية خلال نصف الساعة التي تسبق هبوط الظلام، وهي الدقائق الأخيرة التي يُسمح فيها عادة للناس بالبقاء خارج المنزل، وفقاً لقانون الحرب ساري المفعول منذ عامين. تنشغل المحلات بغلق أبوابها، وعندما تفرغ المساجد من تأدية صلاة المغرب، يكون الجميع قد عاد أدراجه، لتبقى مدينة تعز وحدها في الخارج.

الأضواء التي سرقت من شمس النهار عبر تلك الألواح التي أصبحت تحتل مساحة كبيرة في أسطح المنازل، خافتة للغاية، وربما تستطيع أن توجز حجم البؤس الذي حل بهذه المدينة، فلم يعد هناك ما يمت لعصر الدولة بصلة. توقفت جميع الخدمات تقريباً، الكهرباء، الماء، الصحة، النظافة... وما تبقى من الخدمات الأخرى مهددة بالتوقف في أي لحظة، وهي لا تفي باحتياجات سكان المدينة على أية حال. وفي الغالب، فهذه الخدمات المتبقية مدعومة من منظمات خارجية.

كثير من المدارس معطلة، وتستخدم كمعسكرات للجيش وبعض فصائل المقاومة. لكن هناك مدارس استأنفت الدراسة فيها منذ بداية العام الدراسي الحالي، من خلال فتح المجال للتدريس الطوعي أمام خريجي الجامعات غير الموظفين، لأن كثير من المعلمين توقفوا عن التدريس احتجاجاً على توقف رواتبهم.

 

ظروف مختلفة

 

منذ أن بدأت الحرب قبل عامين في المدينة، لتمتد بعد ذلك إلى أجزاء واسعة من ريفها، تعرّض "تجمع سكاني ضخم محشور داخل علبة كبريت" لكل أصناف المعاناة.

ومع اشتداد الحصار والقصف، كان أكثر من ثلاثة أرباع سكان المدينة، المقدر عددهم بنحو نصف مليون نسمة، قد غادروها، نزوحاً للأرياف وتوزعاً على باقي المدن اليمنية الأكثر استقراراً (نسبياً). وهذا على الرغم من أن الأشهر الأخيرة شهدت عودة بعض النازحين.

وأما الذين بقوا داخل مدينة تعز فهم ممن لا يوجد لديهم مكان آخر يذهبون إليه. ومع انتشار أعمال سرقة المنازل الواقعة على خطوط النار، فضل البعض البقاء في منازلهم لحمايتها، على الرغم من المخاطر. وهذا ما يفسر احتفاظ تعز بالحد الأدنى من الحركة فيها.

الظروف تعددت في تعز خلال العامين الماضيين، ولكن التحول الأبرز في استعادة المدينة لحيويتها، كان فتح المنفذ الغربي في آب / أغسطس من العام الماضي. وهي الملاحظة التي أشار لها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، الذي تمكن من زيارة تعز في التاسع من نيسان /أبريل الحالي.. بعد تسعة أشهر على زيارته السابقة.

قال أن الأسواق بدت أكثر انشغالاً وكان هناك عدد كبير من السكان بالإضافة إلى عدد كبير من المركبات على الطرق. مع زيادة في عدد المحال التجارية والمطاعم المفتوحة على الرغم من وضع المدينة كمنطقة صراع نشط.

على ذلك فإن الوضع الإنساني بقي متدهوراً بسبب انتشار سوء التغذية وعدم صرف الرواتب والافتقار إلى الأدوية، بحسب ما جاء في بيانه الصحافي. لهذا لا يمكن الحديث عن تحسن حقيقي في الوضع، فالمدينة لا تزال محاصرة كما أن القذائف لا تزال تتساقط على الأحياء السكنية، والمعارك ليست بعيدة على أية حال.

 

الحياة في ظل الحرب

 

يحتاج البقاء على قيد الحياة في مدينة تعز، خلال عامين من الحرب المتواصلة، إلى قدر كبير من الدهاء ومن القدرة على التحمل. كثير من الأسر أصبحت تعتمد على وجبة واحدة في اليوم. غير أن الثقافة الاجتماعية السائدة تمنع الناس من الإفصاح عن حقيقة معيشتهم وكيف يتدبرون حياتهم اليومية. ومن وقت لآخر تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الإعلام تفاصيل لقصص موجعة، عن تلك الأسرة التي أنقذها أحد الجيران في اللحظات الأخيرة بعد ثلاثة أيام من الجوع. أو تُنشر صور ذلك الشخص الذي طرده المستأجر لأنه لم يقدر على دفع الايجار خلال الستة الأشهر الماضية بسبب توقف الرواتب، فما كان منه إلا أن أخرج أثاث منزله إلى الشارع العام وقام بإحراقه أمام المارة، ومضى لحال سبيله، ومعه قصة حزينة وأسرة لا أحد يعرف أين ذهبت وأي مصير قد تكفل بها.

 

 

لا توجد في تعز (وهي المحافظة اليمنية الأكثر سكاناً) مصادر دخل كثيرة، أو ثروات كتلك التي توجد في محافظات يمنية أخرى، كمأرب مثلاً التي توجد فيها أبار نفطية، أو عدن التي يوجد فيها ميناء كبير ونشاط تجاري واسع. ومنذ سبعة أشهر، توقف صرف رواتب الموظفين وهي المصدر الأول للدخل حيث سكان هذه المحافظة موظفون وهم الأكثر اهتماماً بالتعليم مقارنة بسكان باقي المحافظات اليمنية. والمظاهرات التي يقودها موظفون ومعلِّمون تكاد لا تتوقف في شوارع المدينة.

أصبحت المصارف آخر مصدر حقيقي لاستمرار الحياة في المدينة، وذلك من خلال خدمة التحويلات التي يبعث بها المغتربون إلى ذويهم وأصدقائهم. فسكان محافظة تعز، الذين يقترب عددهم من أربعة ملايين نسمة، يتوزعون على كل المحافظات اليمنية، بغض النظر عمن يسيطر عليها.. كما أن عدداً كبيراً منهم يعملون في دول الجوار، خصوصاً السعودية. وتحويلات هؤلاء تمثل آخر حائط صد تواجه به المحافظة الظروف القاسية المفروضة عليها. غير أن هذه الخدمات أصبحت مهددة بالتوقف في أي لحظة، بسبب الوضع الأمني المتدهور. فمصرف الكريمي، وهو أكبر مصرف في اليمن، تعرض لعمليتي سطو خلال أقل من شهرين. كانت الأولى عندما أعلنت إدارته عن تعرض إحدى سيارات المصرف للاختطاف من قبل مسلحين مجهولين، وكان على متنها نحو 40 مليون ريال يمني جرى نهبها. وفي المرة الثانية مطلع نيسان / أبريل الجاري، أعلن المصرف عن أن أحد فروعه الواقعة داخل المدينة تعرض لعملية سطو ونهب، قالت إدارته إن المسروق يصل إلى 500 مليون ريال يمني (ما يقارب 17 مليون دولار).

يلجأ الكثير من سكان مدينة تعز لبيع مقتنياتهم الشخصية لمواجهة الأعباء المعيشية المتزايدة. وقد انتعشت تجارة الذهب خلال العام الأخير من الحرب، بالتزامن مع توقف الرواتب. الفوضى الأمنية وكل الظواهر الأخرى أصبحت تتغذى على بقاء المدينة محاصرة وانعدام سبل الحياة أمام السكان، ما يرشح الوضع لمزيد من التفاقم.

 

عن السفير العربي للكاتب وسام محمد

...