بيانات و مناشدات /

من مهيب الصالحي الى ضمير العالم.. أين أبي؟!

27/04/2017 00:14:34

إلى مدير مكتب الأمم المتحدة في اليمن

إلى رؤساء ومديري المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية

إلى الضمير الانساني

أنا مهيب أيوب شاهر الصالحي.  16 عام ، أدرس  في الصف الثاني الثانوي.

قبل عام من اليوم, كنت كما الآن أكبر أخوتي في أسرتنا الصغيرة. ولم يكن لهذا الأمر من معنى قبل ذلك المساء  و قرب آذان المغرب (من ايام شهر رمضان) عندما  أتصلت بوالدي و كان آخر عهدي بصوته الذي كان أتاني من شارع بعيد ،  مختلطا بضجيج من حوله ،  قال بأنه سيعاود الاتصال بنا لاحقا..

 لم يتصل و الدي  في تلك الليلة ولا في الليلة اللاحقة , و في اليوم الثالث عندما اتصلت به , كان هاتفه  مغلقا طوال الوقت. و بقى مغلقا بعدد مرات محاولاتنا للاتصال به التي لم تتوقف منذ تلك الليلة و خلال عشرة أشهر ، و لا نزال لا نعرف شيء عن مصيره.

نقيم حيث يعمل أبي مدرسا, في منطقة ريفية خارج مدينة تعز ، ولأن راتبه الشهري لا يكفي لتغطية مصاريفه الشخصية ومصاريفنا, فقد أضطر لشراء سيارة صغيرة, يعمل على نقل أغراض الزبائن فيها مقابل بعض النقود ، و يجبره ذلك  الى ان يقيم في مدينة تعز معظم الأيام

لا أعرف،  لماذا علي قول كل هذه التفاصيل؟  التي قد لا تهمكم. ربما لأنها تهمني. فهي تجعلني أعرف الى أي مدى كان أبي رجلا مكافحا وشريفا. منذ أن أختفى مع سيارته التي ستتحول الى شبح, و تحولت  حياة اسرتنا الصغيرة جحيما حقيقيا.

جاء  أحد الزبائن الى المكان الذي يتواجد فيه و الدي عادة (حارة القرشي وسط مدينة تعز) ومعه بعض الاغراض وطلب توصيلة الى شارع التحرير الاسفل.

قال لمن حوله بأنه سيذهب ويعود سريعا لتناول الافطار معهم. لكنه لم يعد. أما ذلك الزبون فلم يحتفظ أحدا بملامحه. لابد انها كانت شريرة و عصية أن يتذكرها احد

لقد مر ما تبقى من شهر رمضان كدهر بلا نهاية . وعندما جاء العيد كان أبي قد أصبح مخفيا  قسريا كما يقول أصدقائه الذين يتصلون بنا ما بين وقت وآخر. في البداية لم أكن أعرف ماذا يعني ذلك, لكني أصبحت أفهم الآن, أنها تحمل مدلولا سياسيا, لطالما كان أبي أحد أولئك الذين فجروا الثورة قبل عدة أعوام.

أشقائي الخمسة أصغر من أن يعوا اشياء من هذا القبيل. وهم: جار الله (13 عاما), محمد (11 عاما), تمني (8 أعوام) مسار (7 اعوام) واخيرا نور عمرها عامين وثلاثة أشهر وهي الوحيدة بيننا لا تبدي اكتراثا. عندما اختفى ابي كانت قد بدأت تردد كلمة بابا, لكن مع مرور الايام اختفت الكلمة من قاموسها.

 قبل ان يأتي العيد كان اخواني ينتظرون ان يعود ابي حاملا معه ملابس جديدة. في قريتنا وفي كل القرى المحيطة, العيد يعني عودة الأب من المدينة بملابس جديد وأشياء أخرى مبهجة. أما الحياة فهي ان تعرف ان لك أبا في مكان ما.

في العيد الأول كان لغياب أبي كل تلك المعاني الغامضة. الجميع يبكي. كنت قد كبرت خلال أيام قليلة مع ذلك كنت لا أزال مثلهم غير قادر على استيعاب انه اصبح لدينا أب بمصير مجهول.

أكتب هذا و أطالب ضميركم الانساني بالرد على كل الاسئلة التي تتزاحم الآن في راسي واجدني غير قادر على كتابتها, أطالبكم بالرد على أسئلة ودموع عشرة أشهر, لماذا أختفى أبي فجأة؟ ما هي تهمته؟ ولماذا علينا أن نعيش هذا المأتم المتواصل؟

لن أخبركم عن أفكاري المرعبة, عن حقدي الذي ينمو كل مساء, عن رغبتي في الذهاب إلى أبعد مكان في العالم والبكاء لأجل كل الاشياء غير المفهومة. لدموع هؤلاء الصغار وقع الخناجر. في ذلك العيد وفي العيد التالي وعندما يعود أحد الاباء الى القرية وعندما يقال ان سيارة ابي ظهرت وفجأة يقال انها اختفت بدون امل ثم تظهر من جديد وتختفي كشبح,

مر عشرون يوما منذ ان بدأت بالكتابة. بالقلم على أوراق دفاتر المدرسة التي لم تعد دفاتر المدرسة, ثم بالاستعانة بأصدقاء في المدينة لديهم هواتف ذكية ويستطيعون ايصال هذه الرسالة الى حيث انتم.

الجميع أخبرني ان كتابة رسالة لكم أمر جيد. وانه ينبغي علي مخاطبة ضميركم. ولا يصح الاعتقاد ان العالم كله أصبح شريرا. بالنسبة لي أعرف أن العالم أكبر من قريتنا واكبر من مدينتنا التي اختفى فيها ابي. وأن هناك عدالة في مكان ما من هذا العالم. وهي من ستعيد ابي وستنتصر لكل المظلومين.

أثق بهذا حتى وأنا لا اعرف كيف ستقومون بواجبكم لكي يعود ابي الى اسرته, كيف ستكشفون عن مصيره, لكني أثق بضميركم وقدرتكم على فعل ذلك. الجميع أخبرني انكم تستطيعون فعل هذا. فقد انقذتم كثيرين. الجميع يتحدث عن قصص مشابهة. لهذا أكتب لكم هذه الرسالة.

ايوب الصالحي (40 عاما) مواطن يمني, ليس له علاقة بالحرب التي تدور في البلاد منذ عامين, أختفى قبل اكثر من عشرة أشهر من وسط مدينة تعز, من تلك المناطق الواقعة تحت سيطرة المقاومة الشعبية.

يقال بأن هناك سجون تتبع جماعات مسلحة وأحزاب, وأبي يعتبر ناشط سياسي, لكنه لم يخبرنا من قبل ان لديه عداوات مع أحد.

أناشد ضميركم الانساني, القيام بواجبكم وانقاذ هذه الأسرة الصغيرة, باعادة عائلها الوحيد. نحن كل يوم نغرق في الحزن والديون, نغرق في المستقبل المجهول.

مهيب ايوب الصالحي

المقاطرة_ تعز

25/ 4/ 2017

 

...