10/06/2020 01:24:26
قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إنّ على سلطات الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ خطوات جريئة لمعالجة العنصرية البنيوية التي تُحرّك الاحتجاجات الشعبية الحاشدة في جميع أنحاء البلاد.
على الحكومات الوطنية والمحلية وحكومات الولايات أن تسنّ وتُطبّق تدابير مساءلة مُجدية للشرطة، وتحدّ بشكل كبير من الاعتقالات غير الضرورية، وتُنهي اللجوء إلى الشرطة لمعالجة المشاكل المجتمعية المتصلة بالفقر والصحة، والتي تستهدف بطريقة غير متناسبة الأشخاص السمر والسود. بدلا من ذلك، عليها أن تستثمر في الدعم الحقيقي للمجتمعات المحتاجة وفي برامج مُصمّمة لمكافحة العنصرية البنيوية المتجذّرة منذ زمن في قطاعات عديدة مثل الصحة والتعليم.
قالت نيكول أوستين هيلري، مديرة برنامج الولايات المتحدة في هيومن رايتس ووتش: " الغضب والإحباط اللذان يحرّكان التظاهرات الحاشدة في كافّة أنحاء الولايات المتحدة لا يتعلقان فقط بالأفعال الإجرامية لعناصر الشرطة الذين قتلوا جورج فلويد. المسألة هي نظام إنفاذ القانون الذي لا يُقدّر جميع الناس بالتساوي ويُضحّي بأرواح ورفاه السّود نتيجة لذلك".
يُظهِر مقطع فيديو الشرطي ديريك شوفين في مينيابوليس وهو يقتل جورج فلويد عبر تثبيته أرضا والضغط بركبته على عنق فلويد لأكثر من ثماني دقائق في 25 مايو/أيار. بعد أربعة أيام، وجّه المدّعون تهمة القتل من الدرجة الثالثة لشوفين والقتل غير المتعمّد من الدرجة الثانية واعتقلوه، لكنّهم لم يوجّهوا اتهامات إلى الشرطيين الآخرين المتورّطين. قالت هيومن رايتس ووتش إنّه على المدّعي العام توجيه اتهامات فورا إلى الشرطيين الثلاثة الآخرين المتورّطين في مقتل فلويد.
مقتل فلويد كان الحادثة الأخيرة من تاريخ طويل من قتل الأشخاص السود على يَد الشرطة في الولايات المتحدة من دون مساءلة تُذكر، إن وُجِدت أصلا. في السنوات الأخيرة، تعدّدت الأسماء، من إريك غارنر، وفيلندو كاستيل، وآلتن ستيرلنغ، إلى دلرون سمول، وترنس كراتشر، وبريونا تايلور، وكثيرين غيرهم. شملت اللائحة أيضا مقتل رجال سود رفض المدّعون التحقيق في قضاياهم بشكل مناسب، مثل أحمود أربري (25 عاما) الذي قتله رجلان أبيضان بينما كان يركض في جورجيا في فبراير/شباط.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّه بينما تحظى جرائم القتل المصوّرة بالفيديو مثل مقتل فلويد بتغطية إعلامية واسعة، تستعمل الشرطة في الولايات المتحدة القوّة وترتكب اعتداءات لا تتسبّب بالقتل لكنّها مؤذية ومنتشرة، خصوصا ضدّ السود. تُظهر الدراسات أنّ الشرطة تمارس القوّة ضدّ السود بمعدّلات أعلى بكثير من البيض، باستعمال الأجهزة الكهربائية الصاعقة، وعضّات الكلاب، والعصي، واللكمات والركلات. وجدت تحقيقات هيومن رايتس ووتش في مركز الشرطة في تولسا في أوكلاهوما أنّ عناصر الشرطة يستعملون الأجهزة الكهربائية الصاعقة ضدّ السود أكثر بثلاث مرّات من استعمالها ضدّ البيض، وأنّ السود معرّضون لعنف الشرطة أكثر بـ2,7 مرّات.
أوجه التفاوت العنصرية في أعمال الشرطة تعكس التفاوتات العنصرية المتجذّرة في أنظمة عديدة، بما فيها الإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية. قالت هيومن رايتس ووتش إنّه على صنّاع السياسات معالجة التفاوتات الكامنة من خلال تبنّي برامج في جميع هذه المجالات والتي تكون مُصمّمة خصيصا لمكافحة الآثار الطويلة الأمد للعنصرية البنيوية.
قالت هيلري: "ينبغي ألّا يستلزم الأمر مقتل رجل أسود على يَد الشرطة وتسجيل ذلك بالفيديو لإثارة مخاوف واسعة حول إساءة معاملة الأشخاص السود والسمر يوميا. أسوأ الحالات ما هي إلّا غيض من فيض في نظام العنصرية فيه بنيوية، وليست مجرّد أفعال وحشية يرتكبها شرطيون سيئون".
تشمل أفعال الشرطة المسيئة اعتقالات وعمليات تفتيش غير ضرورية ومُضايِقة، غالبا ما يحرّكها التمييز العنصري. كشفت دراسات عديدة تفاوتات عنصرية ملحوظة في معدّلات عمليات التوقيف والتفتيش التي تنفّذها الشرطة، وأظهر مسح أجري مؤخرا أنّ 95% من أقسام الشرطة في الولايات المتحدة تعتقل السود بمعدّل أعلى من البيض، بتواتر أكثر بعشر مرّات أحيانا.
تعتقل الشرطة الناس وتحتجزهم بسبب سلوك متعلّق بالتشرّد والفقر، مثل التسكّع والتعدي؛ وتصرّفات ينبغي ألّا تُجرَّم على الإطلاق، مثل حيازة المخدرات للاستعمال الشخصي، أو العمل الجنسي؛ وبسبب انتهاكات ينبغي أن تؤدّي إلى الاستدعاء بدل الاعتقال الاحترازي.
مثلا، لم تكُن الشرطة مُضطرّة إلى اعتقال فلويد بسبب استعماله المزعوم لورقة 20 دولار مزوّرة. لو استدعت الأدلّة ذلك، كان يمكن للشرطيين إصدار مذكّرة استدعاء.
في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يُكلّف المسؤولون الشرطة بالاستجابة لحالات تشمل تعاطي مواد الإدمان المثير للمشاكل، والتشرّد، ومشاكل الصحة العقلية، والفقر، بدلا من تمويل الدوائر المعنية لمعالجة المشاكل الاجتماعية خارج سياق أعمال الشرطة. على الحكومات التخفيف بشدّة من اعتمادها على الشرطة لهذه المهام، والاستثمار في الإسكان، والرعاية الصحية الميسورة التكلفة وسهلة المنال، والتنمية الاقتصادية، والتعليم، وهي مبادرات تعالج المشاكل مباشرة بدلا من تجريم الناس المحتاجين.
عدم منح الأولوية للحلول المباشرة وتمويلها والتركيز على إنفاذ القانون وتجريم الفقر والمشاكل الاجتماعية فاقم على مدى عقود أوجه التفاوت في مجتمعات الولايات المتحدة، وأضرّ بمجتمعات الفقراء والأشخاص السود والسمر.
تظاهر ناس من مختلف الأعراق في جميع أنحاء الولايات المتحدة، يجمعهم قلقهم واستياؤهم، للتنديد بعنف الشرطة وعدم المساواة الكامنة وراء أفعال عناصرها. غالبا ما واجهت الشرطة هذه الاحتجاجات بالاستخدام غير المشروع للقوّة، ما أدّى إلى تصاعد الصراع والإصابات البدنية.
في الأيام الأخيرة، قدّم صنّاع القوانين والسياسات حلولا، مثل تعزيز الرقابة، بما تشمله من تحقيقات جديدة في انتهاكات الشرطة، ووضع حدّ للحصانة المشروطة — نهج قانوني يحمي جميع عناصر الشرطة تقريبا الذين يُحاكمون لسلوك مسيء من المسؤولية المدنية عن هذا السلوك. ينبغي اعتماد هذه الخطوات المهمة التي تأخرت كثيرا، لكن قد تمرّ سنين عديدة قبل أن يشعر بآثارها الأشخاص في مجتمعات تشهد مغالاة الشرطة في ممارساتها، إذا شعروا بها أصلا.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ المقترحات لا تعالج المشكلة الجوهرية، ألا وهي توظيف سلطات الولايات والسلطات المحلية لعدد كبير من عناصر الشرطة الذين يقومون باعتقالات غير ضرورية في جهود غير موفّقة لمعالجة المشاكل المجتمعية باستعمال أعمال شُرطية، علما أنّ هذه المشاكل لا ينبغي حلّها باعتماد نهج عقابي لإنفاذ للقانون.
على الشرطة أيضا إنهاء الاستعمال غير المشروع وغير الضروري للقوة ضدّ المتظاهرين. تُظهر المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي الشرطة تستعمل المركبات لدفع حشود الناس إلى الوراء، رغم أنّه يبدو أنهم يتظاهرون سلميا خلف الحواجز؛ وتضرب كثيرين؛ وتدفع المتظاهرين أرضا؛ وتستعمل الغاز المسيل للدموع عشوائيا وبلا سبب كما يبدو؛ وتُطلق رذاذ الفلفل، والرصاص المطاطي، والقنابل المضيئة.
يُظهر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي الشرطة في لباس عسكري وداخل مركبة مدرّعة تُسيّر دوريات في حيّ سكني يبدو هادئا. بعد تلقيه أمرا بـ"إشعالهم"، أطلق شرطي قذيفة أصابت مباشرة إحدى السكّان على الأقلّ وهي على شرفة منزلها. في 1 يونيو/حزيران، نشر الرئيس دونالد ترامب جنودا من الحرس الوطني استعملوا الغاز المسيل للدموع والقنابل المضيئة لتفريق المتظاهرين السلميين من أمام البيت الأبيض كي يتمكّن من إجراء جلسة التصوير أمام الكنيسة المقابلة لساحة لافاييت المجاورة.
يحمي الدستور الأمريكي و"العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" الذي تُعدّ الولايات المتحدة طرفا فيه الحقّ في حرية التعبير والتجمع السلمي. ينطبق العهد على الحكومات المحلية والاتحادية وحكومات الولايات. موظفو إنفاذ القانون مُلزمون بحماية هذه الحقوق الأساسية وصونها.
بموجب "المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين" للأمم المتحدة، ينبغي أن يطبّق عناصر إنفاذ القانون أساليب غير عنفية قدر المستطاع قبل اللجوء إلى استخدام القوة. يجب أن يكون أي استخدام للقوة من عناصر إنفاذ القانون متناسبا، وأن يقتصر على الحالات التي تثبت فيها تدابير أخرى لمعالجة تهديد فعلي عدم جدواها أو أن يكون تحقيق هذه التدابير لنتيجتها المنشودة مستبعدا. لدى استعمال القوّة، على عناصر إنفاذ القانون ممارسة ضبط النفس والتصرّف بشكل متناسب، آخذين في الاعتبار جدية المخالفة والهدف الشرعي المنشود.
قالت هيلري: "من غير المقبول التعامل مع الاحتجاجات ضدّ عنف الشرطة ومن أجل المساواة العرقية بالمزيد من عنف الشرطة. الاضطرابات ستستمر ما لم تُعالِج الولايات المتحدة، على جميع المستويات، المشاكل التي دفعت الناس إلى التظاهر في الشوارع".